الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
لما فرغ من ذكر أنواع الإجارة صحيحها وفاسدها شرع في بيان الضمان؛ لأنه من جملة العوارض التي تترتب على عقد الإجارة فيحتاج إلى بيانها كذا في غاية البيان ولا يخفى أن الأجير على ضربين خاص ومشترك فشرع المؤلف يبين ذلك ولا يخفى أن معنى ضمان الأجير إثباتا ونفيا، ولو لم يكن معناه ذلك، بل معناه إثبات الضمان فقط لزم أن لا يصح عنوان الباب على قول الإمام أصلا؛ لأنه لا ضمان عنده على أحد من الأجير المشترك والخاص. قال رحمه الله: (الأجير المشترك من يعمل لغير واحد) قال الأكمل والسؤال عن وجه تقديم المشترك على الخاص دوري ا هـ. يعني أن السؤال عن توجيه تقديم المشترك يتوجه على تقدير العكس فلا مرجح سوى الاختيار قال صاحب النهاية فإن قلت تعريف المشترك بقوله من يعمل لغير واحد تعريف يدل على عاقبته إلى الدور؛ لأن هذا حكم لا يعرفه إلا من يعرف الأجير المشترك، ولو كان عارفا بالأجير المشترك لا يحتاج إلى هذا التعريف، ولو لم يكن عارفا به قبل ذلك لا يحصل له تعريف الأجير المشترك؛ لأنه يحتاج إلى السؤال عمن لا يستحق الأجر حتى يعلم من هو فلا بد للمعرف أن يقول هو الأجير المشترك وهو عين الدور قلت نعم هو كذلك إلا أن هذا تعريف للخفي بما هو أشهر منه في مفهوم المتعلمين أو هو تعريف لما لم يذكر بما قد سبق ذكره؛ لأنه ذكر قبل هذا استحقاق الأجير بالعمل بقوله أو باستيفاء المعقود عليه في باب الأجرة متى تستحق فصار كأنه قال وما عرفته بأن الأجير هو الذي يستحق الأجر باستيفاء المعقود عليه فهو الأجير المشترك إلى هنا كلامه واعترض بأن الجواب فيه خلل من أوجه، أما أولا؛ فلأن قوله في أول الجواب نعم كذلك اعتراف بلزوم الدور وما يستلزم الدور يتعين فساده ولا يمكن إصلاحه. وأما ثانيا؛ فلأن كون الأجير المشترك خفيا وما ذكره في التعريف أشهر منه فممنوع، ولو كان كذلك فما صح الجواب إذا سئل عمن يستحق الأجرة حتى يعلم، وأما ثالثا؛ فلأن المذكور في باب الأجير حتى يستحق غير مختص بالأجير المشترك، قال الأكمل: تعريف الأجير المشترك يستلزم الدور؛ لأنا لا نعلم من يعمل لغير واحد حتى يعرف الأجير المشترك فتكون معرفة المعرف موقوفة على معرفة المعرف به وهو الدور وأجيب بأنه قد علم مما سبق متى يستحق الأجير بالعمل فلم تتوقف معرفته على معرفة المعرف، وقال بعضهم الأجير المشترك من يعمل لغير واحد كالخياط والصباغ ا هـ. وبيان ذلك أن معنى الأجير المشترك من لا يجب عليه أن لا يختص بواحد عمل لغيره أو لم يعمل ولا يشترط أن يكون عاملا لغير واحد، بل إذا عمل لواحد فهو مشترك إذا كان بحيث لا يمتنع ولا يبعد عليه أن يعمل لغير واحد، قال الشارح: والأولى أن يقال الأجير المشترك من يكون عقده واردا على عمل معلوم ببيان محله ليسلم من النقض والخاص من يكون العقد واردا على منفعته ولا تصير منافعه معلومة إلا بذكر المدة والمسافة ومنافعه معلومة في حكم العين ففي المشترك المعقود عليه الوصف الذي يحدث في العين بفعله فلا يحتاج إلى ذكر المدة ولا يمتنع عليه التقبل. وحكم الأجير المشترك أن يتقبل العمل لغير واحد والخاص لا يمكنه أن يعمل لغير واحد وفي الأصل ما معناه المشترك من يقع العقد على العمل المعلوم فيصح بدون بيان المدة والإجارة على المدة لا تصح إلا ببيان نوع من العمل، وإذا جمع بين العمل والمدة يعتبر الأول فلو استأجر راعيا ليرعى له غنمه المعلومة بدرهم شهرا فهو أجير مشترك إلا إذا صرح في آخر كلامه بما يدل على أنه خاص بأن قال لا يرعى غنم غيري، وإذا ذكر المدة أولا نحو أن يستأجر راعيا شهرا يرعى غنمه المعلومة بدرهم فهو أجير خاص إلا إذا صرح في آخر كلامه بما يدل على أنه مشترك بأن يقول ارع غنمي وغنم غيري. قال رحمه الله: (ولا يستحق الأجرة حتى يعمل كالقصار والصباغ والخياط والنساج) لأن الإجارة عقد معاوضة فيقتضي المساواة بينهما كما تقدم أقول: لا يخفى أن هذا اختاره القدوري في تعريف المشترك ولم يزد عليه قال صاحب العناية، وقيل قوله من لا يستحق الأجرة حتى يعمل مفردا، والتعريف بالمفرد لا يصح عند عامة المحققين، والحق أن يقال إنه من التعريفات اللفظية وفي العتابية المشترك الحمال والملاح والحائك والخائط والنداف والصباغ والقصار والراعي والحجام والبزاغ والبناء والحفار. ا هـ. قال رحمه الله: (والمتاع في يده غير مضمون بالهلاك) يعني لا يضمن ما ذكر سواء هلك بسبب يمكن الاحتراز عنه كالسرقة أو بما لا يمكن كالحريق الغالب والفارة المكابرة، وهذا عند الإمام، وقالا لا يضمن إذا هلك بما يمكن التحرز عنه؛ لأن عليا وعمر ضمناه؛ ولأن المعقود عليه الحفظ وبما ذكر لم يوجد الحفظ التام كما في الوديعة إذا كانت بأجر وكما إذا هلك بفعله ولأبي حنيفة أن القبض حصل بإذنه فلا يكون مضمونا عليه كالوديعة والعارية ولهذا لا يضمن فيما لا يمكن التحرز عنه كالموت والغصب، ولو كان مضمونا عليه لما اختلف الحال ولا نسلم أن المعقود عليه هو الحفظ، بل العمل والحفظ تبعا بخلاف الوديعة بأجرة؛ لأن الحفظ وجب مقصودا وبخلاف ما إذا تلف بعمله؛ لأن العقد يقتضي سلامة المعقود عليه وهو العمل فإذا لم يكن سليما ضمن، وقد روي عن عمر وعلي أنهما كانا لا يضمنان الأجير المشترك وهو قول إبراهيم النخعي فيتعارض عنهما الرواية فلا تلزم حجة، وقيل هذا اختلاف عصر وزمان ورد بأن الاختلاف موجود بين الصحابة وبين أئمتنا رضي الله عنهم ومبنى الاختلاف أن عندهما الحفظ معقود عليه وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به يكون واجبا لوجوبه فيكون العقد واردا عليه، وعنده لا يكون واردا عليه. وقد تقدم أن بقولهما يفتى في هذا الزمان لتغير أحوال الناس وإن شرط الضمان على الأجير فإن كان فيما لا يمكن التحرز عنه لا يجوز بالإجماع؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد وإن كان فيما يمكن التحرز عنه يجوز عندهما خلافا للإمام وفي الدراية أخذ الفقيه أبو الليث في الأجير المشترك بقول الإمام وبه أفتى، وفي المزارعة والمعاملة الفتوى على قولهما لمكان الضرورة وفي السراجية وأفتى بعضهم بالصلح على نصف القيمة فيما هلك في يد الأجير المشترك فيما يمكن الاحتراز عنه في عمله وقيد بالهلاك ليحترز عن الخطأ، قال في المحيط دفع إلى قصار ثوبا ليقصره فجاء ليطلب ثوبه فدفع إليه القصار ثوبا ظانا أنه له فهو ضامن له وكل من أخذ شيئا على أنه له ولم يكن له فهو ضامن، ولو كان صاحب الثوب أرسل رجلا ليأخذ ثوبه فلا ضمان على الرسول وإن أخذ الرسول الثوب بغيبة القصار فرب الثوب بالخيار إن شاء ضمن القصار أو الرسول وأيهما ضمن لم يرجع على الآخر. ا هـ. وفي المضمرات وإذا ضمن عندهما إن كان الهلاك قبل العمل ضمن قيمته غير معمول ولا أجر عليه وإن كان بعد العمل فرب الثوب إن شاء ضمنه قيمته غير معمول ولا أجر عليه وإن شاء أعطاه قيمته معمولا ويعطيه أجرته قال في شرح الطحاوي معناه يحط عنه قدر الأجرة، ولو ادعى الرد على صاحبه وصاحبه ينكر، القول قول الأجير عند الإمام، ولكن لا يصدق في دعوى الأجر، وعندهما القول قول صاحب الثوب. قال رحمه الله: (وما تلف من عمله كتخريق الثوب من دقه وزلق الجمال وانقطاع الحبل الذي يشد به الحمل وغرق السفينة من مدها مضمون) هذا جواب المسائل كلها، وقال الإمام الشافعي وزفر لا يضمن؛ لأنه مأذون فيه فصار كالمعين للدقاق والأمر المطلق ينتظم العمل بنوعيه المعيب والسليم ولا يمكن التحرز عن الدق المعيب ولنا أن التلف حصل بفعل غير مأذون فيه؛ لأن المأذون فيه هو السليم دون غيره عرفا وعادة فيضمن وفي المحيط، ولو تخرق لتقصيره في العمل أو لعدم معرفته بالعمل يضمن عندنا، وعند زفر وقيد بقوله بعمله فشمل عمله بنفسه وعمل أجيره؛ لأنه عمله حكما قال في المحيط: ثم الأجير المشترك إنما يضمن ما تلف في يده بشرائط ثلاثة: الأول أن يكون في قدرته دفع ذلك الفساد فلو لم يكن له قدرة على ذلك كما لو غرقت السفينة من موج أو ريح أو جبل صدمها لا ضمان على الملاح. الثاني أن يكون محل العمل مسلما إليه بالتخلية فلو لم يكن محل العمل مسلما إليه بأن كان رب المتاع في السفينة أو وكيله فانكسرت السفينة بجذب الملاح لم يضمن. وأما الثالث وهو أن يكون المضمون مما يجوز أن يضمن بالعقد فلو استأجر دابة لحمل عبد صغير أو كبير فلا ضمان على المكاري فيما عطب من سوقه أو قوده، قال في المحيط لو تلف من فعل أجير القصار لا متعمدا فالضمان على القصار لا على الأجير؛ لأن التلف حصل من عمل القصارة، ولو وطئ ثوبا فتخرق ينظر إن كان يوطأ مثله لا ضمان عليه؛ لأنه مأذون دلالة وإن كان لا يوطأ بأن كان رقيقا ضمن، ولو وقع من يده سراج فأحرق ثوبا من القصارة أو حمل شيئا فوقع على ثوب القصارة فتخرق فالضمان على الأستاذ، ولو استأجر رجلا ليخدمه فوقع شيء من يده من متاع البيت ففسد لا يضمن، ولو وقع الأجير على ثوب وديعة عند الأستاذ فتخرق ضمن الأجير؛ لأنه ليس بمأذون فيه وذكر في الأصل انفلتت المدقة من يد الأجير فأصابت شيئا فضمانه على القصار ولم يفصل بين ثوب القصارة وغيره، ومشايخنا فصلوا فقالوا إن وقع على ثوب الوديعة ابتداء وخرقه ضمن الأجير وإن وقع على ثوب القصارة ابتداء يضمن الأستاذ دون الأجير؛ لأنها انفلتت ابتداء على ثوب الوديعة فهذا عمل غير مأذون فيه فيضمن. فأما إذا انفلتت على ثوب القصارة ابتداء فهو عمل مأذون فيه الأجير فيضمن الأستاذ وعلى هذا التفصيل إذا أصاب آدميا وقالوا لو مشى الضيف على بساط المضيف فتخرق من مشيه لم يضمن؛ لأنه مأذون فيه، وكذا لو انقلبت الأواني فانكسرت بخلاف ما إذا وطئ آنية من الأواني فأفسدها يضمنها؛ لأنه ليس بمأذون فيه، ولو جفف القصار ثوبا على حبل فمرت حمولة فحرقته فالضمان على الحمال والراعي إذا ساق الغنم فماتت أو وطئ بعضها بعضا فمات إن كان أجيرا مشتركا ضمن وإن كان أجيرا خاصا فلا ضمان عليه ا هـ. مختصرا. وقوله من دقه أي دقه حقيقة أو حكما كدق أجيره وقوله كزلق الجمال قال في الجامع الصغير استأجر جمالا ليحمل له كذا إلى موضع كذا فزلق الجمال في أثناء الطريق إن حصل بجناية يده ضمن وإن حصل بما لم يمكن الاحتراز عنه لا يضمن عند الإمام، وعندهما يضمن وفي الذخيرة هذا إذا تلف في وسط الطريق، ولو زلقت رجله بعدما انتهى إلى المكان المشروط فله الأجر ولا ضمان عليه وهو قول محمد أخيرا وعلى قوله أولا يضمن هنا أيضا وفي الولوالجية، ولو مطرت السماء فأفسدت الحمل أو أصابته الشمس ففسد فلا ضمان على قول الإمام، وعند أبي يوسف يضمن وفي الأصل استأجر دابة ليحمل عليها شيئا فعثرت الدابة فوقع الحمل أو المملوك لا يضمن المملوك ويضمن الحمل قالوا إنما يضمن المتاع إذا كان الصبي لا يصلح لحفظ المتاع؛ لأنه لو كان يصلح له لا يضمن المتاع، ولو مر بالدابة على قنطرة وفيها حجر أو ثقب فوقع فيه حمله فتلف يضمن وقيد بزلق الجمال المستأجر؛ لأنه لو لم يستأجره قال في المحيط استأجر قدرا، فلما فرغ حمله على حماره فزلق رجل الحمار فوقع فانكسر القدر فإن كان الحمار يطيق حمل ذلك فلا ضمان عليه وإن كان لا يطيق فإنه يضمن ا هـ. قوله وانقطاع الحبل الذي يشد به الحمل قال محمد في الأصل إذا انقطع حبل الجمال وسقط الحمل وتلف ضمن قيد بقوله يشد به الحمل؛ لأنه لو كان الحبل لصاحب المتاع لا يضمن قال في العناية، ولو حمل بحبل صاحب المتاع فتلف لم يضمن، وقال في الهداية وقطع الحبل من قلة اهتمامه فكان من صنعه ولقائل أن يقول تقدم أن الأجير المشترك لا يضمن ما تلف في يده إن كان الهلاك بسبب يمكن الاحتراز وفرق بأن التقصير هنا في نفس العمل فيضمن وهناك في نفس الحفظ فلا يضمن، ولو قال رب المتاع للحمال احمله فحملاه فسقط لم يضمن؛ لأن التسليم إليه لم يتم، ولو حمله، ثم استعان في موضعه برب المتاع فوضعه فتلف ضمن عند أبي يوسف ولم يضمن عند محمد، ولو قال احمل أيهما شئت هذا بدرهم، وهذا بنصف درهم فحملهما فله نصف أجرهما ونصفهما إن هلكا، ولو حمل أحدهما أولا فهو متطوع في الثاني ويضمنه إن هلك؛ لأنه حمله بغير إذن، ولو استأجره ليحمل له جلود ميتة فوقعها وأتلفها فلا أجر ولا ضمان؛ لأنه ليس بمال. ولو استأجره ليحمل هذه الدراهم إلى فلان فأنفقها في نصف الطريق، ثم دفع مثلها إلى فلان فلا أجر له؛ لأنه ملكها بأداء الضمان وفي الواقعات استأجره ليحمل كذا في طريق كذا فأخذ في طريق آخر تسلكه الناس فتلف لم يضمن قوله وغرق السفينة من مدها أطلق في قوله من مدها فظاهره أنه يضمن سواء كان رب المتاع معه أو لم يكن وليس كذلك قال في الأصل الملاح إذا أخذ الأجرة وغرقت السفينة في موج أو ريح أو مطر أو فزع وفي الخانية أو من شيء وقع عليها أو من شيء ليس في وسعه دفعه فلا ضمان عليه وإن حصل الغرق من أمر يمكن التحرز عنه فكذلك عند الإمام، وعندهما يضمن وإن حصل الغرق من مده وصاحب المتاع معه لم يضمن وفي الأصل وإن كان صاحب المتاع في السفينة أو وكيله وغرقت السفينة من مده ومعالجته فلا ضمان إلا أن يخالف بأن يضع فيها شيئا أو يفعل فيها فعلا متعمدا الفساد، وهذا بخلاف ما إذا أجرت الدابة فسقط المتاع فهلك وصاحب المتاع معه فإن الأجير يضمن ا هـ. والمراد بالمد حبل السفينة التي تمد به وفي التتمة استأجر سفينة ليحمل عليها الأمتعة هذه فأدخل الملاح عليها أمتعة أخرى بغير رضاه وغرقت وهي كانت تطيق ذلك لم يضمن الملاح. ا هـ. قال رحمه الله: (ولا يضمن به بني آدم) ممن غرق في السفينة أو سقط من الدابة، ولو كان بسوقه وقوده؛ لأن الآدمي لا يضمن بالعقد وإنما يضمن بالجناية قيل هذا إذا كان كبيرا ممن يستمسك بنفسه ويركب وحده وإلا فهو كالمتاع. والصحيح أنه لا فرق. قال رحمه الله: (وإن انكسر دن في الطريق ضمن الحمال قيمته في محل حمله ولا أجر أو في موضع الانكسار وأجره بحسابه) أما الضمان؛ فلأنه تلف بفعله؛ لأن الداخل تحت العقد عمل غير مفسد والمفسد غير داخل فيضمن على ما بينا، وأما الخيار؛ فلأنه إذا انكسر في الطريق شيء واحد تبين أنه وقع تعديا من الابتداء من هذا الوجه وله وجه آخر وهو أن ابتداء الحمل حصل بأمره فلم يكن متعديا وإنما صار تعديا عند الكسر فيميل إلى أي الجهتين شاء فإن مال إلى كونه متعديا من الابتداء ضمنه قيمته ولا أجر له وإن مال إلى كونه مأذونا فيه في الابتداء وإنما حصل التعدي عند الكسر ضمنه قيمته في موضع الكسر وأعطاه الأجر بحسابه قال في شرح الطحاوي معناه أسقط قدر الأجرة هذا إذا انكسر بصنعه بأن زلق وعثر فإن عثر بغير صنعه بأن زحمه الناس لا يضمن عند الإمام ولا أجر له، وعندهما يضمن قيمته في موضع ما انكسر ولا يخير؛ لأن العين مضمونة عندهما على ما بينا قال في التتارخانية هذا إذا انكسر الدن بجناية يده أما إذا حصل لا بجناية يده فإن كان بأمر لا يمكن التحرز عنه لا ضمان عليه بالإجماع وإن هلك بأمر يمكن التحرز عنه فكذلك عند الإمام، وعندهما يجب الضمان وللمالك الخيار وقوله في الطريق قال في الذخيرة قيد احترازي فإذا انكسر الدن بعدما انتهى به إلى بيته فله الأجر ولا ضمان عليه، وهذا قول محمد آخرا أما على قول أبي يوسف وهو قول محمد أولا يجب أن يكون ضامنا. ا هـ. وقد تقدم. قال رحمه الله: (ولا يضمن حجام أو فصاد أو بزاغ لم يتعد الموضع المعتاد)؛ لأنه التزمه بالعقد فصار واجبا عليه والفعل الواجب لا يجامعه الضمان كما إذا حد القاضي أو عزر ومات المضروب بذلك إلا إذا كان يمكنه التحرز عن ذلك كدق الثوب فأمكن تقييده بالسليم بخلاف الفصد ونحوه فإنه ينبني على قوة الطبع وضعفه ولا يعرف ذلك بنفسه ولا ما يحتمله الجرح فلا يمكن تقييده بالسليم وهو غير الساري فسقط اعتباره إلا إذا جاوز المعتاد فيضمن الزائد هذا كله إذا لم يهلك وإن هلك يضمن نصف دية النفس؛ لأنه هلك بمأذون وغير مأذون فيضمن بحسابه حتى لو أن الختان قطع الحشفة وهو عضو كامل يجب عليه الدية كاملة وإن مات وجب نصف الدية وهي من أندر المسائل وأغربها حيث يجب الأكثر بالبرء وبالهلاك الأقل وفي شرح الطحاوي لو قطع الحشفة فعليه القصاص، ولو قطع بعض الحشفة فلا قصاص عليه ولم يذكر ما يجب عليه وفي الصغرى تجب حكومة عدل وفي الخلاصة الكحال إذا صب الدواء في عين رجل فذهب ضوءه لم يضمن كالختان إلا إذا غلط فإن قال رجلان إنه ليس بأهل، وقال رجلان هو أهل لم يضمن فإن كان في جانب الكحال واحد وفي جانب الآخر اثنان ضمن، ولو قال رجل للكحال داو بشرط أن لا يذهب بصره فذهب لم يضمن أمر رجلا أن يقلع سنه فقلعه، ثم اختلفا قال أمرتك أن تقلع غيره، وقال الحجام أمرتني بقلع هذا القول قول الآمر. ا هـ. وفي الظهيرية، ولو بزغ واختلفا فالقول للآمر ويضمن القالع أرش السن وفي الخلاصة، ولو قلع ما أمره، ولكن سن آخر متصل بهذا السن سقط ضمنه وظاهر عبارة المؤلف أن الضمان ينتفي بعدم المجاورة وذكر في الجامع الصغير وحجامة العبد بأمر المولى حتى إذا لم يكن بأمر المولى يجب الضمان قال في الكافي عبارة المختصر ناطقة بعدم التجاوز وساكتة عن الإذن، وعبارة الجامع الصغير ناطقة بالإذن ساكتة عن التجاوز فصار ما نطق به هذا بيانا لما سكت عنه الآخر ويستفاد بمجموع الروايتين اشتراط عدم التجاوز والإذن لعدم وجوب الضمان حتى إذا عدم أحدهما أو كلاهما يجب الضمان ا هـ. قال رحمه الله: (والخاص يستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة وإن لم يعمل كمن استؤجر شهرا للخدمة أو لرعي الغنم) يعني الأجير الخاص يستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة عمل أو لم يعمل قال الأكمل وما يرد على تعريف الأجير المشترك يرد مثله على تعريف الخاص ا هـ. وسمي الأجير خاصا وحده؛ لأنه يختص بالواحد وليس له أن يعمل لغيره؛ ولأن منافعه صارت مستحقة للغير والأجر مقابل بها فيستحقه ما لم يمنع مانع من العمل كالمرض والمطر ونحو ذلك مما يمنع التمكن، ولم يتعرض المؤلف لما إذا عمل لمتعدد ونحن نبين ذلك قال في المحيط: ولو أجر نفسه من غيره وعمل للأول والثاني استحق الأجر كاملا على كل واحد منهما ولا يتصدق بشيء ويأثم. ا هـ. قال صاحب الهداية والأجر مقابل بالمنافع ولهذا يستحق الأجر عليه وإن نقض العمل. قال صاحب النهاية نقض على البناء للمفعول بخلاف الأجير المشترك فإنه روي عن محمد في خياط خاط ثوب رجل فنقضه رجل قبل أن يقضيه رب الثوب فلا أجر للخياط؛ لأنه لم يسلم العمل إلى رب الثوب ولا يجبر الخياط أن يعيد العمل؛ لأنه لو أجبر لكان بحكم العقد الذي وقع في ذلك قد انتهى بتمام العمل وإن كان الخياط هو الذي نقض فعليه أن يعيد العمل؛ لأنه لما نقضه صار كأنه لم يحصل منه عمل ومثله الإسكافي والملاح حتى إذا أراد الملاح رد السفينة منع من ذلك وإنما يكون أجيرا خاصا إذا شرط عليه أن لا يرعى لغيره أو ذكر المدة أولا فإنه جعله خاصا بأول كلامه حيث ذكر المدة أولا وقوله لرعي غنمه يحتمل أن يكون لإيقاع العقد على العمل فيصير مشتركا ويحتمل أن يكون لبيان نوع العمل فإن الإجارة على المدة لا تصح ما لم يبين نوع العمل فلم يعتبر حكم الكلام الأول بالاحتمال، ولو قدم ذكر العمل وأخر المدة بأن قال ارع غنمي بدرهم شهرا كان أجيرا مشتركا؛ لأنه جعله مشتركا بأول كلامه بإيقاع العقد على العمل وقوله شهرا يحتمل أن يكون لإيقاع العقد على المدة فيكون خاصا ويحتمل أن يكون لتقدير العمل في المدة فلا يتغير أول كلامه بالاحتمال ما لم يصرح بخلافه، وفي المحيط فإذا كان خاصا فماتت شاة أو أكلها سبع أو غرقت في نهر فلا ضمان على الراعي؛ لأنه أمين ولا ينقص من الأجر بحسابها؛ لأن المقعود عليه تسليم نفسه، وقد وجد ولهذا لو سلم نفسه ولم يأمره بالرعي تجب الأجرة وهو يصدق فيما يدعيه من الهلاك مع اليمين. ولو سلم إلى الراعي عددا فأراد أن يزيد عليه والراعي يطيقه فله ذلك استحسانا؛ لأن المستحق عليه الرعي بقدر ما يطيق لا رعي أغنام بعينها حتى قلنا في الظئر لو استأجرها لإرضاع صبي فأراد أن يرضع صبيا آخر ليس له ذلك؛ لأن العقد وقع على العمل وفيه زيادة عمل، ولو كان الراعي أجيرا مشتركا لكان حكمه حكم الظئر لتعلق العقد بالمسمى فلا يزيد عليه ويلزمه رعي الأولاد وما بيع منها سقط من الأجر بحسابه، ولو شرط عليه رعي الأولاد صح استحسانا؛ لأن هذه الجهالة غير مفضية إلى المنازعة راع مشترك خلط الأغنام فالقول في التمييز للراعي مع يمينه إن جهل صاحبه وإن جهل الراعي يضمن قيمة الكل؛ لأن الخلط استهلاك شرط على المشترك أن يأتي بعلامة الميت إن لم يأت فهو ضامن وليس للراعي أن ينزي على الغنم إلا بإذن مالكها فإن فعل فعطب ضمن؛ لأن هذا ليس من الرعي فإن نزا الفحل بدون فعله لم يضمن عند الإمام، وعندهما يضمن؛ لأنه مما يمكن الاحتراز عنه ندت واحدة فخاف على الباقي إن تبعها فلا ضمان عليه عند الإمام؛ لأنه ترك حفظها بعذر، وعندهما يضمن. ولو سرق غنم وهو نائم لم يضمن عند الإمام، وعندهما يضمن، ولو ذبح الراعي شاة خوفا عليها ضمن قيمتها يوم الذبح قال مشايخنا هذا إذا كان يرجى حياتها وإن كان لا يرجى لا يضمن؛ لأنه مأذون فيه في هذه الحالة عطب بعض الغنم فقال المالك شرطت عليك أن ترعى في مكان كذا غير هذا المكان، وقال الراعي شرطت هذا المكان فالقول قول المالك والبينة للراعي، وهذا عند الإمام، وعندهما يضمن ولا يأخذ المصدق من الراعي فإن أخذ منه فلا ضمان؛ لأنه ليس في وسعه دفع السلطان والهلاك إذا كان بأمر لا يمكن التحرز عنه لا يضمن بالإجماع جعل الأجرة لبنها وصوفها فالإجارة فاسدة للجهالة في اللبن والصوف، والراعي ضامن لما أصاب من لبنها وصوفها ا هـ. مختصرا. قال رحمه الله: (ولا يضمن ما تلف في يده أو بعمله) أما الأول؛ فلأن العين أمانة في يده؛ لأنه قبضها بإذن مالكها فلا يضمن بالإجماع، وهذا ظاهر على قول الإمام، وكذا عندهما؛ لأن تضمين الأجير المشترك كان نوع استحسان، وقد تقدم وجهه والأجير الخاص يعمل في بيت المستأجر ولا يقبل الأعمال من غيره فأخذا فيه بالقياس، وأما الثاني؛ فلأن المنافع صارت مملوكة للمستأجر وأمره بالصرف إلى ملكه فصح وصار نائبا عنه وصار فعله منقولا إليه؛ لأنه فعله بنفسه؛ ولأن البدل ليس بمقابلة العمل بدليل أنه يستحق الأجر وإن لم يعمل، وهذا؛ لأن المبيع منفعته وهي سليمة وإنما الخرق في العمل الذي هو تسليم المنفعة وذلك غير معقود عليه فلم يكن يضمن شيئا ما هو عليه فلا يشترط فيه السلامة فلا يضمن ما تلف إلا إذا تعمد الفساد فيضمن بالتعدي كالمودع وفي المحيط وعلى هذا التفصيل أما في الضمان تلميذ القصار وأجيره سائر الصنائع. قال رحمه الله: (وصح ترديد الأجير بترديد العمل في الثوب نوعا وزمانا في الأول) يعني يجوز أن يجعل الأجر مترددا بين تسميتين ويجعل العمل مترددا في الثوب بين نوعي العمل بأن يقول إن خطت فارسيا فبدرهم أو روميا فبدرهمين أو صبغته بعصفر فبدرهم وبزعفران فبدرهمين، أو يجعل العمل مترددا بين زمانين بأن يقول إن خطته اليوم فبدرهمين وإن خطته غدا فبنصف درهم يجوز في الأول دون الثاني وهو معنى قوله وزمانا في الأول، ويجوز التردد بين ثلاثة أشياء ولا يجوز بين أكثر كما تقدم، ولو قال المؤلف رحمه الله تعالى وصح ترديد الأجر بترديد العمل نوعا وزمانا في الأول فيما دون الأربعة لكان أولى؛ لأنه يفهم من الإطلاق أنه يصح في أكثر من الأربعة، وهذا خيار التعين إلا أنه لا بد في البيع من اشتراط الخيار وفي الإجارة لا يشترط ذلك والفرق أن تحقيق الجهالة في البيع لا يرتفع إلا بإثبات الخيار بخلاف الإجارة واستشكل صاحب التسهيل هذا الفرق حيث قال: أقول: الجهالة التي في طرف الأجرة ترتفع كما ذكر أما التي في طرف العين المستأجرة فهي ثابتة وتفضي إلى المنازعة فينبغي أن لا يصح بدون شرط اليقين ا هـ. وهذا التفصيل في الزمان قول الإمام، وقالا الشرطان جائزان، وقال زفر الشرطان فاسدان؛ لأن الخياطة شيء واحد، وقد ذكر لمقابلته بدلان فيكون مجهولا ولهما أن ذكر اليوم للتوقيت وغدا للتعليق فلا يجتمع في كل يوم تسميتان وللإمام في الأول قال فارسيا وروميا فسمى نوعين معلومين من العمل وسمى لكل منهما بدلا معلوما فيجوز للإمام أيضا إذا كان الترديد في الزمان إن ذكر اليوم للتعجيل والغد للإضافة والكلام لحقيقته حتى يقوم دليل المجاز، وقد قام الدليل على إرادة المجاز في ذكر اليوم وهو التعجيل؛ لأن مرادهما الصحة وهو متعين في المجاز؛ لأن تعين العمل مع التوقيت مفسد فإن تعين العمل يوجب كونه أجيرا مشتركا وتعين الوقت يوجب كونه خاصا وبينهما تفاوت فلا يجتمعان، فتعين المجاز كي لا يفسد فحملاه على التعجيل وفي الغد لم يقم الدليل على إرادة المجاز، بل قام الدليل على إرادة الحقيقة وهو الإضافة يعني في التعليق فتركاه على حقيقته فإذا كان ذكر اليوم للتعجيل وذكر غد للإضافة لم يجتمع في اليوم إلا نسبة واحدة فلم يفسد فإذا خاطه اليوم فله الدراهم، واجتمع في غد تسميتان فوجب حمله على الإضافة. وهذا يناقض ما قدمه من أنه إن كان العمل أولا فالزمان لغو أو الزمان أولا فالعمل لغو فهو في الأول أجير مشترك وفي الثاني أجير خاص فإذا خاطه في غد فله أجر مثله لا يزاد على نصف درهم بخلاف الفارسية والرومية؛ لأنهما عقدان مختلفان لم يجتمعا فافترقا ويشكل على ما علل به في اليوم والغد مسألة الراعي فإنها جمع فيها بين ذكر الوقت والعمل وتصح الإجارة بالاتفاق ولا يحمل الوقت على غير معناه الحقيقي في قول أحد، بل يعتبر أجيرا مشتركا إن وقع ذكر العمل أولا وأجيرا وحده إن وقع ذكر الوقت أولا كما ذكر في الذخيرة والمحيط قال صاحب الكافي وفي المسألة إشكال على قول الإمام حيث جعل ذكر اليوم للتعجيل ها هنا حتى أجاز العقد وفي مسألة الخياط جعله للتوقيت وأفسد العقد. والجواب أن ذكر اليوم حقيقة للتوقيت فيحمل عليه حتى يقوم الدليل على المجاز وهو نقصان الأجر بسبب التأخير فعدلنا عن الحقيقة ولم نعمم هناك وكان التوقيت مرادا ففسد العقد، وقوله ترديد الأجرة قيد اتفاقي؛ لأنه لا فرق بين ترديد الأجرة ونفيها لما قال في المحيط البرهاني لو قال إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلا أجر لك، قال محمد في الإملاء إن خاطه في اليوم الأول فله درهم وإن خاطه في اليوم الثاني فله أجر مثله لا يزاد على درهم في قولهم جميعا؛ لأن إسقاط الأجر في اليوم الثاني لا ينفي وجوبه في اليوم الأول، ونفي التسمية في اليوم الأول لا ينفي أصل العقد فكان في اليوم الثاني عقد لا تسمية فيه فيجب أجر المثل ا هـ. بلفظه، وفي التتارخانية بعد أن ذكر هذا الفرع هذا إذا جمع بين الأمرين فلو أفرد العقد على اليوم بأن قال إن خطته اليوم فلك درهم ولم يزد على هذا فخاطه في الغد لم يذكر محمد هذا في شيء من الكتب وكان الفقيه أبو بكر البلخي يقول على قولهما يستحق أجر المثل إذا خاطه في غد وعلى قول الإمام لقائل أن يقول يجب ولقائل أن يقول لا يجب ذلك وأن يقول هذا العقد هنا فاسد على قول الإمام؛ لأنه جمع بين الوقت والعمل ولم تقم قرينة على أنه أراد بالوقت التعجيل فما وجه القول بالصحة وفي العتابية إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته في غد فلا شيء لك فسد العقد؛ لأنه شرط القمار، وقيل يصح في اليوم ويفسد في الغد، ولو قال ما خاطه اليوم فبحساب درهم وما خاطه غدا فبحساب نصف درهم يفسد؛ لأنه مجهول، ولو قال ما خاطه من هذه الثياب روميا فبكذا وفارسيا فبكذا يفسد للجهالة، وهذا التفصيل في صورة المتن هو المذكور في الجامع الصغير وحكى الفقيه عن أبي القاسم الصفار ينبغي أن يفسد العقد في اليوم والغد بلا خلاف فإن خاطه في الغد فله أجر مثله لا يزاد على درهم ولا ينقص من نصف درهم، وهذا يشير إلى أنه يجوز أن يزيد على نصف درهم وهو رواية الأصل، وفي المسألة روايتان. وصحح القدوري رواية ابن سماعة وهو الصحيح وهو المذكور في المتن ولم يتعرض لماذا خاط بعضه في اليوم وبعضه في غد ونحن نبين ذلك قال في العناية: ولو خاطه نصفه في اليوم ونصفه في الغد يجب في اليوم نصف درهم وفي الغد أجرة مثله لا يزاد على نصف درهم ولا ينقص عن ربع درهم وقوله زمانا في الأول قيد اتفاقي؛ لأنه لو ردد في الأجرة كذلك وأطلق في قوله زمانا في الأول فشمل ما إذا قدم الأول وأخر الغد وقدم الغد وأخر اليوم يصح العقد في الغد ويفسد في اليوم قال في الغياثية: ولو بدأ بالغد، ثم اليوم فعند الإمام الصحيح هو الأول وفي إجارة الأصل لو قال إن خطته اليوم فلك درهم وإن لم تفرغ منه اليوم فلك نصف درهم ذكر الخلاف على نحو ما ذكر في المتن. قال رحمه الله: (وفي الدكان والبيت والدابة مسافة وحملا) يعني يجوز أن يجعل الأجر مترددا في الدكان بأن يقول إن سكنت حدادا فبدرهمين وإن سكنت عطارا فبدرهم أو يتردد بين مسافتين في الدابة أو بين حملين بأن يقول إن ذهب إلى بغداد بكذا وإلى الكوفة بكذا أو إن حملت قطنا فبكذا وإن حملت حديدا فبكذا، وهذا قول الإمام، وعندهما لا تجوز هذه الإجارة لهما أن الأجرة والمنفعة مجهولتان؛ لأن الأجر في الأجير الخاص يجب بالتسليم من غير عمل ولا يدري أي العملين يقدر ولا أي التسميتين تجب وقت التسليم بخلاف خياطة الرومية والفارسية؛ لأن الإجارة لا تجب فيه إلا بالعمل وبه ترفع الجهالة وبخلاف الترديد في اليوم والغد؛ لأنه عندهما كمسألة الرومية أو الفارسية فلا يجب الأجر إلا بعد العمل فعند ذلك هو معلوم هذا هو القاعدة. فإن قلت فما الفرق على قولهما بين الترديد في العمل والزمان حيث جوزاها ومنعاه في البيت والدكان، والإمام جوز هنا ومنع في الزمان، قلت قالا التفاوت في السكنى فاحشة فمنعاه والإمام قال هو رضي بإدخال الضرر على نفسه فأجازه وللإمام أنه خيره بين شيئين متغايرين وجعل لكل واحد منهما أجرا معلوما فوجب أن يجوز كما في الرومية والفارسية، والإجارة للانتفاع فالظاهر أن يستوفي المنافع، وعند الاستيفاء ترفع الجهالة بخلاف الترديد في اليوم والغد على ما تقدم وهنا يجوز الترديد بين شيئين بأن يقول أجرتك هذه الدار كل شهر بمائة أو هذه الدار بمائتين أو هذه الدار بثلاثمائة ولا يجوز بين أكثر من ذلك لما تقدم وفي الكبرى واختلف المشايخ على قول الإمام في مسألة الدابة والدار إذا سلم ولم يسكن ولم يحمل عليها ولم يركبها قال بعضهم يجب أقل الأجرين وهو المقابل بأدنى العملين والزائد مشكوك فيه فلا يجب بالشك، وقال بعضهم إذا وجد التسليم ولم توجد المنفعة جعل التسليم لهما إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر فيجب نصف أجر كل من الحداد والقصار ونصف أجر الحمل ونصف أجر الركوب وفي التتارخانية، وذكر الكرخي من استأجر دابة من بغداد إلى البصرة بخمسة وإلى الكوفة بعشرة فإن كانت المسافة إلى البصرة نصف المسافة إلى الكوفة فالعقد جائز، وإن كان أقل أو أكثر لا يجوز على قول محمد، وقال الإمام يجوز وفي نوادر هشام عن محمد إذا قال لغيره إن حملت هذه الخشبة إلى موضع كذا فبدرهم وإن حملت هذه الأخرى إلى موضع كذا فبدرهمين فحملهما إلى ذلك الموضع فله درهمان وهو يخالف رواية ابن سماعة ا هـ. قال رحمه الله: (ولا يسافر بعبد استأجره للخدمة بلا شرط) لأن مطلق العقد تناول الخدمة في الإقامة وهو الأعم الأغلب وعليه عرف الناس فانصرف إليه فلا يكون له أن ينقله إلى خدمة السفر؛ لأنه أشق؛ ولأن مؤنة الرد على المولى فيلحقه ضرر بذلك فلا يملكه إلا بإذنه بخلاف العبد الموصى بخدمته حيث لا يتقيد بالحضر؛ لأن مؤنة الرد عليه ولم يوجد العرف في حقه لا يقال لما ملك المنفعة ملك أن يسافر به كالمولى؛ لأنا نقول المولى إنما ملك ذلك؛ لأنه ملك الرقبة قيد بقوله ولا يسافر فأفاد أن له أن يستعمل فيما دون السفر ففي المحيط استأجر عبدا ليخدمه ولم يبين مكان الخدمة له أن يستخدمه بالكوفة دون خارج الكوفة، قال شمس الأئمة يعني لا يسافر بالعبد وله أن يخرجه إلى القرى وأفنية المصر ويستخدمه إلى العشاء الأخيرة وليس له أن يضربه وله أن يكلفه أنواع الخدمة ويخدم ضيفانه وامرأته وأطلق في قوله ولا يسافر وهو مقيد بما إذا لم يكن متهيئا للسفر، وقد عرف بذلك؛ لأن المعروف كالمشروط، ولو سافر به صار غاصبا ولا أجر عليه إن سلم؛ لأن الضمان والأجر لا يجتمعان وفي المحيط لا يكلفه الخبز والطبخ والخياطة وعلف الدواب، قال تفسيره أن يعقده خياطا ليخيط للناس أو خبازا ليخبز للناس؛ لأنه ليس من الخدمة، بل من التجارة. وأما إذا خاط له وخبز له فله ذلك؛ لأنه من أنواع الخدمة، ولو دفع عبده إلى حائك ليعلمه النسج واشترط عليه أن يحدقه في ثلاثة أشهر لم يجز؛ لأن التحديق ليس بعلم معلوم، ولو أجر عبده سنة فأعتق العبد في خلال السنة جاز عتقه والعبد بالخيار إن شاء أجاز العقد فيما بقي وله أجر ما بقي من السنة وإن شاء فسخ وليس للعبد أن يقبض الأجرة إلا بوكالة من المولى فإن كان المولى قبض الأجرة معجلا فأعتق العبد في خلال السنة فإن أجاز العبد العقد فيما بقي سلم ذلك للسيد، ولو كان العبد هو الذي أجر نفسه بإذن المولى، ثم أعتق العبد فله الخيار كما تقدم إلا أن العبد هو الذي يقبض الأجرة وفي الغياثية وإن قبض المولى جميع الأجرة قبل عتقه فذلك له إن لم يكن على العبد دين وإن كان صرف إلى غرمائه والفضل له؛ لأنه كسب عبده وأفاد قوله استأجر عبدا أن كلا منهما ذكر؛ لأنه لو استأجر أمة لا بد فيه من تفصيل أو استأجر المرأة ذكر لتخدمه لا بد فيه من تفصيل أو استأجرت حرا لا بد فيه من تفصيل، ولو أجر عبده سنة فأقام العبد بينة أن مولاه أعتقه قبل الإجارة فالأجرة للعبد. ولو قال العبد أنا حر، وقد فسخت الإجارة فلم يقم بينة ودفعه القاضي إلى مولاه فأجبر على العمل فأقام بينة أنه حر وأن المولى أعتقه قبل الإجارة فلا أجر للعبد؛ لأنه لو لم يقل فسخت كان الأجر للعبد، ولو كان غير بالغ وادعى العتق، وقد أخره، وقال فسخت، ثم عمل فالأجر للغلام. ا هـ. مختصرا. وفي التتارخانية ويكره للرجل أن يستأجر امرأة للخدمة حرة كانت أو أمة وإن كان له عيال فلا بأس بذلك إذا كان ثقة وبه يفتى، ولو استأجر الرجل امرأته للخدمة لا يجوز ولا أجر لها، ولو لغسل الثياب والخياطة يجوز، ولو استأجرت المرأة زوجها للخدمة لا يجوز ولا أجر عليها لو خدم، ولو استأجر أباه للخدمة لا يجوز ولا أجر له لا فرق بين الكافر والمسلم، ولو استأجر أباه لرعي غنمه يجوز، ولو استأجر أمه أو جدته للخدمة لا يجوز، ولو خدم فله المسمى، ولو استأجر عمه وهو أكبر منه أو أخاه وهو أكبر منه لا يجوز، وفي فتاوى الفضلي لا يجوز إجارة المسلم نفسه من كافر في الخدمة وفيما غير الخدمة يجوز، وذكر في صلح الأصل ادعى على آخر دارا فصالحه على خدمة عبده سنة كان له أن يخرج بالعبد إلى أهله قال شمس الأئمة الحلواني لم يرد بإخراجه إلى أهله السفر وإنما أراد القرية وأفنية المصر، وقال شمس الأئمة السرخسي له في مسألة الصلح أن يسافر بخلاف مسألة الإجارة ا هـ. ويطلب الفرق. قال رحمه الله: (ولا يأخذ المستأجر من عبد محجور عليه أجرا دفعه لعمله) يعني لو استأجر رجل عبدا محجورا عليه من نفسه فعمل وأعطاه الأجر ليس للمستأجر أن يأخذ منه، والقياس له أن يأخذه منه؛ لأن عقد المحجور عليه لا يجوز فيبقى على ملك المستأجر؛ لأنه بالاستعمال صار غاصبا له ولهذا يجب عليه ضمان قيمته إذا هلك ومنافع المغصوب لا تضمن عندنا فيبقى المدفوع على ملكه فله أن يسترده قياسا وفي الاستحسان لا يسترد؛ لأن التصرف من العبد في هذه الحالة نافع على تقدير السلامة صار على تقدير الهلاك والنافع مأذون فيه فيملكه العبد فيخرج الأجر عن ملكه فبعدما سلم تمحض نفعا في حق المولى؛ لأنه إذا جاز تحصل للمولى الأجر، ولو لم يجز ضاعت منافع العبد فتعين القول بالجواز وصح قبض العبد الأجرة فلا يسترد بخلاف ما إذا هلك العبد في حالة الاستعمال فإنه يجب على المستأجر قيمته، وإذا ضمن صار غاصبا من وقت الاستعمال فيصير مستوفيا منفعة عبد نفسه فلا يجب عليه الأجرة للصبي المحجور عليه إذا استأجر نفسه وسلم فإن الأجرة له؛ لأنه غير ممنوع عما ينفعه وفي النهاية الأجر الذي يجب في هاتين الصورتين هو أجر المثل فإن أعتقه المولى في نصف المدة نفذت الإجارة ولا خيار للعبد وأجر ما مضى للمولى والأجرة في المستقبل للعبد وفي قاضي خان الأب والجد ووصيهما إذا أجر عبد الصبي سنين، ثم بلغ الغلام لم يكن له أن يفسخ والصبي إذا أجر نفسه وسلم، ثم بلغ له أن يفسخ الإجارة. ا هـ. وفي المحيط المكاتب إذا أجر عبده، ثم عجز المكاتب رد في الرق فالإجارة باقية في قول أبي يوسف، وقال محمد تنتقض. ا هـ. وفي التتارخانية ولو أجر الرجل عبدا، ثم استحق وأجاز المستحق الإجارة فإن كانت الإجارة قبل استيفاء المنفعة جاز وكانت الأجرة للمالك وإن أجاز بعد استيفاء المنفعة لم تعتبر الإجارة ولا أجر للعاقد وإن أجاز في بعض المدة فالماضي له والباقي للمالك عند أبي يوسف، وقال محمد أجرة ما مضى للغاصب وما بقي فهو للمالك ا هـ. قال رحمه الله: (ولا يضمن غاصب العبد ما أكل من أجره) معناه إذا غصب رجل عبدا فأجر العبد نفسه فأخذ الغاصب من يد العبد الأجرة فأكلها فلا ضمان عليه عند الإمام، وقالا عليه ضمانه؛ لأنه أتلف مال الغير بغير إذنه ولا تأويل له وللإمام أن الضمان إنما يجب بإتلاف مال محرز متقوم، وهذا ليس بمحرز؛ لأن الإحراز يكون بيده أو بيد نائبه، وهذا ليس في يده ولا يد نائبه؛ لأن الغاصب ليس بنائب عنه ولا العبد، بل العبد وما في يده في يد الغاصب فلم يكن محرزا فلا ضمان فصار نظير المال المسروق في يد السارق بعد القطع؛ ولأن الأجرة بدل المنفعة والبدل حكمه حكم المبدل، ولو أتلف الغاصب المنفعة لا يضمن فكذا بدلها وما تردد بين أصلين توفر فيه حظهما فرجحنا جانب المالك عند بقاء الأجر في يده فقلنا المالك أحق به ورجحنا جانب الغاصب في حق الضمان وقلنا لا ضمان عليه إذا أكل الأجرة بخلاف ولد المغصوب حيث يجب على الغاصب ضمانه بالإتلاف تعديا؛ لأنه ليس ببدل المنفعة، بل هو جزء الأم فيضمنه بالتعدي كالأم ولهذا لو استولدها الغاصب لا يكون الولد له، ولو أجر العبد كان الأجر له. قال رحمه الله: (ولو وجده ربه أخذه) يعني لو وجد رب العبد ما في يد العبد من الأجرة أخذه؛ لأنه أخذ عين ماله ولا يلزم من بطلان التقوم بطلان الملك كما في المسروق بعد القطع فإنه لم يبق متقوما حتى لا يضمن بالإتلاف ويبقى الملك فيه حتى يأخذه المالك. قال رحمه الله: (وصح قبض العبد أجره) يعني لو قبض العبد الأجرة من المستأجر جاز قبضه بالإجماع؛ لأنه المباشر للعقد وحقوق العقد إليه فيصح لكونه مأذونا في التصرف النافع وهذه مكررة مع قوله ولا يأخذ مستأجر من عبد محجور إلى آخره؛ لأنه أفاد صحة القبض ومنع الأخذ فهي تكرار بلا فائدة فتأمل. قال رحمه الله: (ولو أجر عبده هذين الشهرين شهرا بأربعة وشهرا بخمسة صح والأول بأربعة) لأنه لما قال أولا شهرا بأربعة انصرف إلى ما يلي العقد تحريا للصحة كما لو سكت عليه؛ لأن الأوقات في حق الإجارة بمنزلة الأوقات في حق اليمين أن لا يكلم فلانا؛ لأن تنكرها مفسد فتعين عقبها فإذا انصرف الأول إلى ما يليه انصرف الثاني تحريا للأخير؛ لأنه أقرب الأوقات إليه فصار كما لو صرح به قال تاج الشريعة فإن قلت هذا التعليل إنما يستقيم إذا أنكر الشهر وهنا عرف بقوله هذين قلت رأيت في المبسوط وغيره استأجر عبدا شهرين شهرا بأربعة وشهرا بخمسة فقال المستأجر استأجرت منك هذا العبد هذين الشهرين فينصرف قوله هذين الشهرين إلى الشهرين المنكرين. ا هـ. وقال صاحب العناية قيل مبنى هذا الكلام على أنه ذكر منكرا مجهولا والمذكور في الكتاب ليس كذلك وأجيب بأن المذكور في الكتاب قول المستأجر واللام فيه للعهد لما في كلام المؤجر من التنكير فكان الأولى أن يقول: ولو قبل إجارة عبد إلى آخره فلو قال ذلك لكان أولى وكان يسلم من الاعتراض فتأمل. قال رحمه الله: (ولو اختلفا في إباق العبد ومرضه حكم الحال) يعني لو استأجر عبدا شهرا مثلا، ثم قال المستأجر في آخر الشهر أبق أو مرض في المدة وأنكر المولى ذلك أو أنكر استناده إلى أول المدة فقال أصابه قبل أن تأتيني بساعة يحكم الحال فيكون القول قول من شهد له الحال مع يمينه؛ لأن القول في الدعاوى قول من يشهد له الظاهر ووجوده في الحال يدل على وجوده في الماضي فيصلح الظاهر مرجحا وإن لم يصلح حجة كما إذا اختلفا في جريان ماء الطاحون، وهذا إذا كان الظاهر يشهد للمستأجر فظاهر؛ لأنه لا إشكال فيه؛ لأنه ليس فيه إلا دفع الاستحقاق، والظاهر يصلح له فإن كان يشهد للمؤجر ففيه إشكال من حيث إنه يستحق الأجرة بالظاهر وهو لا يصلح للاستحقاق وجوابه أنه يستحق بالسبب السابق وهو العقد وإنما الظاهر يشهد على بقائه واستمراره إلى ذلك الوقت فلم يكن مستحقا بمجرد الظاهر. وهذا لأنهما لما اتفقا على وجود سبب الوجوب فقد أقر بالوجوب عليه، وإذا أنكره يكون متعرضا لنفيه فلا يقبل إلا بحجة وعلى هذا لو أعتق جارية ولها ولد فقالت أعتقتني قبل ولادتي فهو حر، وقال المولى أعتقتها بعده فهو رقيق فالقول قول من الولد في يده؛ لأن الظاهر يشهد له، وكذا لو باع نخلا فيه ثمرة واختلفا في الثمرة معها كان القول قول من في يده الثمرة، وهذا كله إذا اتفقا على قدر الأجرة واختلفا في الوجوب فلو اختلفا في قدر الأجرة واتفقا في الوجوب قال في فتاوى قاضي خان، ولو اختلفا في الأجر فقال الصباغ عملته بدرهم، وقال صاحب الثوب بدانقين فأيهما أقام البينة قبلت بينته وإن أقاماها فبينة الصباغ وإن لم يكن لهما بينة ينظر ما زاد الصبغ في قيمة الثوب فإن كان درهما أو أكثر يؤخذ بقول الصباغ فيعطي درهما بعد يمينه بالله ما صبغه بدانقين وإن كان ما زاد الصبغ فيه أقل من دانقين كان القول قول رب الثوب مع يمينه على ما ادعى الصباغ فإن كان يزيد في قيمة الثوب نصف درهم يعطي الصباغ نصف درهم مع يمينه كما تقدم وإن كان ينقص الصبغ الثوب كان القول قول صاحب الثوب ا هـ. قال في المحيط وغيره: وإذا اختلف شاهدا الأجرة في مقدارها إن كانت الحاجة إلى القضاء بالعقد قبل استيفاء المعقود عليه فالشهادة باطلة سواء كان يدعي أقل المالين أو أكثرهما فإن كانت الحاجة إلى القضاء بالدين بأن وقع الاختلاف بعد الاستيفاء، وقد تقدم ولو اختلفا في نفس المنفعة فشهد أحدهما بالركوب والآخر بالحمل أو قال أحدهما بزعفران، وقال الآخر بعصفر لم تقبل الشهادة هذا إن اتفقا على العين المؤجرة فلو اختلفا فيها قال في المحيط، ولو اختلفا في العين المؤجرة بأن قال المؤجر أجرتك هذه الدابة، وقال المستأجر بل هذه يتحالفان، ولو اختلفا في جنس الأجرة وأقاما البينة وكل بينة تثبت الزيادة تقبل بينة كل فيما يدعيه، ولو اختلفا في المسافة فقال أحدهما مثلا في ديارنا إلى الخانكا، وقال الآخر إلى بلبيس يتحالفان وأيهما أقام البينة تقبل بينته وإن أقاماها جميعا أخذ ببينة رب الدابة في إثبات الأجرة وببينة المستأجر في إثبات زيادة المسافة. قال رحمه الله: (والقول لرب الثوب في القميص والقباء والحمرة والصفرة والأجر وعدمه) يعني إذا اختلف رب الثوب والخياط في المخيط بأن قال رب الثوب أمرتك أن تعمل قباء، وقال الخياط قميصا أو في لون الصبغ بأن قال رب الثوب أحمر، وقال الصباغ أصفر أو في الأجرة بأن قال صاحب الثوب عملته بغير أجرة، وقال الصباغ بأجرة كان القول قول رب الثوب، وظاهر العبارة أنه لا فرق بين كون رب الثوب معروفا بلبس ما نفاه أو لا والذي يقتضيه النظر إن كان معروفا بلبس ما نفاه أن يكون القول قول الخياط وإن لم يكن معروفا أو جهل الحال يكون القول قول رب الثوب أما إذا اختلفا في الخياطة والصبغ؛ فلأن الإذن يستفاد منه فهو أعلم بكيفيته؛ لأنه إذا أنكر الإذن أصلا كان القول قوله، فكذا إذا أنكر وصفه؛ لأن الوصف تابع للأصل لكنه يحلف؛ لأنه ادعى عليه شيئا لو أقر به لزمه فإذا أنكره يحلف فإذا حلف فالخياط ضامن وصاحب الثوب مخير إن شاء ضمنه ثوبا غير معمول ولا أجر له أو قيمته معمولا وله أجر مثله لا يجاوز به المسمى على ما بينا، وعن محمد أنه يضمن ما زاد الصبغ فيه لا يقال هذه مكررة مع قوله، ولو اختلفا في الإجارة قبل الاستيفاء إلى آخره؛ لأنا نقول هناك اتفقا على نوع العمل واختلفا في الأجرة وهنا اتفقا على الأجرة واختلفا في نوع العمل فلا تكرار. وأما إذا اختلفا في الأجرة؛ فلأن المستأجر ينكر تقوم عمله ووجوب الأجر، والصباغ يدعيه فكان القول للمنكر، وهذا قول الإمام، وقال الثاني إن كان الصابغ حريفا له أي معاملا له بأن كان يدفع إليه شيئا للعمل ويقاطعه عليه فله الأجر وإلا فلا، وقال محمد إن كان الصابغ معروفا بهذه الصنعة بالأجرة كان القول قوله وإلا فلا؛ لأنه لما فتح الدكان لذلك جرى ذلك مجرى التنصيص عليه اعتبارا بظاهر المقاصد وقولهما استحسان والقياس قول الإمام والفتوى على قول محمد فإن قلت هذه متكررة مع قوله وبخياطة قباء وأمر بقميص، فالجواب أن تلك باعتبار الضمان، وهذا باعتبار أن القول لرب الثوب عند الاختلاف فلا تكرار وفي التتارخانية ولو اختلف هو والقصار في أجر الثوب فقال القصار بربع درهم، وقال رب الثوب عملته بقيراط فإن اختلفا قبل الشروع في العمل تحالفا وترادا وإن كان بعد الفراغ من العمل فالقول قول رب الثوب ولم يحكم مقدار ما زادت القصارة فيه ا هـ. والله أعلم. ذكر الفسخ آخرا؛ لأن فسخ العقد بعد وجوده لا محالة فناسب ذكره آخرا قال رحمه الله: (وتفسخ بالعيب) أي تفسخ الإجارة بالعيب وظاهر قوله تفسخ أفاد أنها لا تتوقف على رضا الآخر ولا على القضاء وفي التتارخانية، وإذا تحقق العذر هل ينفسخ بنفسه أو يحتاج إلى الفسخ إشارات الكتب متعارضة ففي بعضها ينفسخ بنفس العذر وبه أخذ بعض المشايخ وفي عامتها يحتاج إلى الفسخ وعليه عامة المشايخ وهو الصحيح، وقيل العقد ينفسخ بدون الرضا قيل هو الصحيح وبعض المشايخ قال إن كان العذر يمنع المضي ينفسخ بنفسه ولا يحتاج إلى القضاء وإن كان لا يمنع المضي يحتاج إلى القضاء ا هـ. وفي الزيادات يرفع الأمر إلى القاضي ليفسخ الإجارة قال شمس الأئمة رواية الزيادات أصح كذا في الخلاصة، وفي الجامع الصغير يشترط لصحة الفسخ الرضا أو القضاء ا هـ. وأطلق المؤلف في العيب، وقال في البدائع هذا إذا كان العيب مما يضر بالانتفاع بالمستأجر فإن كان لا يضر بالانتفاع به بقي العقد لازما ولا خيار للمستأجر كالعبد المستأجر ذهبت إحدى عينيه وذلك لا يضر بالخدمة، أو سقط شعره أو سقط في الدار المستأجرة حائط لا ينتفع به في سكناها إلى آخره بخلاف ما إذا كان العيب الحادث مما يضر بالانتفاع؛ لأنه إذا كان يضر بالانتفاع فالنقصان يرجع إلى المعقود عليه فأوجب له الخيار فله أن يفسخ، ثم إنما يلي الفسخ إذا كان المؤجر حاضرا فإن كان غائبا فحدث بالمستأجر ما يوجب حق الفسخ، فليس للمستأجر أن يفسخ؛ لأن فسخ العقد لا يجوز إلا بحضور العاقدين أو من يقوم مقامهما فلو كان لا يضر بها، فليس له الفسخ كالعبد المستأجر إذا ذهب إحدى عينيه وهي لا تضر بالخدمة أو الدار إذا سقط منها حائط لا ينتفع به في سكناها وإن كان يؤثر في السكنى أو الخدمة كالعبد إذا مرض أو الدابة إذا دبرت أو الدار إذا سقط منها حائط ينتفع في السكنى، ولو استأجر دارين فسقط من أحدهما حائط أو منع مانع من أحدهما أو وجد في أحدهما عيب ينقص السكنى فله أن يتركهما جميعا إذا كان عقد عليهما عقدا واحدا ا هـ. قال الشارح: لأن العقد يقتضي سلامة البدل فإذا لم يسلم فات رضاه فله أن يفسخ كما في البيع والمعقود عليه هنا المنافع وهي تحدث ساعة فساعة فما وجد من العيب يكون حادثا قبل القبض في حق ما بقي من المنافع فيوجب خيار الفسخ فإذا فعل المؤجر ما زال به العيب فلا خيار للمستأجر؛ لأن الموجب للرد قد زال قبل الفسخ، والعقد يتجدد ساعة فساعة فلم يوجد فيما يأتي بعد فسقط اختيار الفسخ، وإذا استوفى المستأجر المنفعة مع العيب يلزمه جميع البدل وفي الظهيرية وذلك إما أن يكون من قبل أحد العاقدين أو من قبل المعقود عليه وفي التجريد إما أن يمنع الانتفاع أو ينقص الانتفاع بالمنفعة ولما تنوع العيب إلى هذه الأنواع شرع يبين الأنواع. فقال رحمه الله: (وخراب الدار وانقطاع ماء الضيعة والرحى) يعني تنفسخ الإجارة بهذه الأشياء، ولو بين المؤجر الدار وأراد المستأجر أن يسكنه في بقية المدة، فليس له أن يمنعه من ذلك، وكذا ليس للمستأجر أن يمنع منه وفي النوادر بنى المؤجر الدار كلها قبل الفسخ، فللمستأجر أن يفسخ العقد إن شاء وهو مخالف لما تقدم، ولو انقطع ماء الرحى والبيت وبقي ما ينتفع به لغير الطحن فعليه من الأجر بحصته؛ لأنه بقي شيء من المعقود عليه فإذا استوفاه لزمه حصته وقوله وخراب الدار إلى آخره يفيد أن الإجارة تنفسخ بهذه الأشياء وفي الذخيرة الإجارة في الرحى لا تنفسخ بانقطاع الماء وفي الخانية فإن بنى الدار بعد الفسخ، فليس للمستأجر أن يسكنها وفي التتارخانية والسفينة المستأجرة إذا نقضت وصارت ألواحا، ثم أعيدت سفينة أخرى لم يجز تسليمها للمستأجر. ا هـ. ومثل انقطاع ماء الرحى انكسار الحجر وفي التتارخانية، ولو استأجره ليزرع أرضه ببذره، ثم بدا له أن لا يزرع كان عذرا، ولو استأجر أرضا ليزرعها فغرقت أو تربت أو سبخت كان ذلك عذرا في فسخها وفي الأصل استأجر أرضا ليزرعها شيئا سماه فزرعها ذلك وأصاب الزرع آفة وذهب وقت الزراعة لذلك الزرع فأراد أن يزرع ما هو أقل منه ضررا أو مثله فله ذلك وإلا فسخت ولزمه ما مضى من الأجرة قيد بانقطاع الرحى ليحترز عن النقصان في الرحا فإن كان النقصان فاحشا فله حق الفسخ وإن كان غير فاحش، فليس له حق الفسخ قال القدوري إذا صار الطحن أقل من نصف الحنطة أولا فهو فاحش. قال رحمه الله: (وتفسخ بموت أحد المتعاقدين إن عقدها لنفسه) قال الشارح وفيه إشارة إلى أنه لا يحتاج إلى حكم الحاكم. ا هـ. والظاهر أن فيه إشارة إليه قال في المفيد والمزيد، وقال بعضهم لا لكن يرفع الأمر إلى القاضي ويقضي بالفسخ ولا يحتاج في ذلك إلى دعوى وللعلماء في ذلك طريقان أحدهما أن يرفع الأمر إلى القاضي بالفسخ، الثانية أن يبيع العين المؤجرة ويحكم القاضي فيها بالصحة وانفساخ الأولى وهي طريقة ما وراء النهر، وقال الشافعي لا تبطل بموت أحدهما ولنا أن العقد ينعقد ساعة فساعة حسب حدوث المنفعة فإذا مات المؤجر انتقل الملك إلى الوارث ومنفعته إليه والمنافع المستحقة بالعقد هي المملوكة للمؤجر، وقد فات بموته فتنفسخ قال في العتابية ونوقض بما إذا استأجر دابة إلى مكان معين فمات صاحب الدابة وسط الطريق كان للمستأجر أن يركبها إلى المكان المسمى، وقد مات أحدهما أو عقدها لنفسه وأجبت بأن ذلك للضرورة وأنه يخاف على نفسه وماله حيث لا يجد دابة أخرى في وسط المفازة ولا يكون ثمة قاض يرفع الأمر إليه حتى قال بعض مشايخنا إن وجد ثمة دابة أخرى يحمل عليها متاعه ينتقض أو وجد قاض ينتقض. ا هـ. وفي المحيط إذا مات رب الدابة نظر القاضي ما هو الأصلح للورثة إن رأى بيع الجمل وحفظ الثمن أنفع للورثة فعل وإن رأى إبقاء الإجارة فإن كان بقية فالأفضل الإبقاء وإن كان غير بقية فالأفضل فسخها فإن فسخها وأقام البينة أنه أوفاه الكراء رد عليه بحساب ما بقي، ولو أنفق المستأجر على الدابة شيئا لم يحسب له إلا إذا كان بإذن القاضي. ا هـ. وفيه أيضا، وإذا مات أحدهما وفي الأرض زرع يترك إلى الحصاد ويكون على المستأجر أو على ورثته ما بقي من الأجر؛ لأنها كما تفسخ بالأعذار تبقى بالأعذار. ا هـ. وأطلق في الموت فشمل الموت الحكمي كالارتداد، وكذا في المحيط وفي الذخيرة، وإذا سكن بعد الانفساخ بغير عقد فالأصح إن كانت معدة للاشتغال تلزمه أجرة المثل وإلا فلا؛ لأنه غاصب. قال رحمه الله: (وإن عقدها لغيره لا كالوكيل والوصي والمتولي في الوقف) يعني لا تفسخ بموت أحدهما إذا كان عقدها لغيره كما ذكرنا لبقاء المستحق عليه والمستحق لو مات المعقود له بطلت لما ذكرنا، وإذا مات أحد المستأجرين أو المؤجرين بطلت الإجارة في نصيبه وبقيت في نصيب الحي، وقال زفر بطلت في نصيب الحي أيضا؛ لأن الشيوع مانع من صحة الإجارة قلنا ذلك في الابتداء لا في البقاء؛ لأنه يتسامح في البقاء ما لا يتسامح في الابتداء وأطلق في الوكيل فشمل الوكيل بالإيجار والوكيل بالاستئجار قال في الذخيرة، وأما الوكيل بالاستئجار إذا مات تبطل الإجارة؛ لأن التوكيل بالاستئجار توكيل شراء المنافع فيصير مشتريا لنفسه، ثم يصير مؤجرا من الموكل ا هـ. أقول: لعل هذا إذا لم يسلم إلى الموكل أما لو سلم لا تبطل فتدبره، وفي الظهيرية أمر رجلا أن يستأجر دارا بعينها سنة للموكل فاستأجرها المأمور وتسلمها وأبى أن يدفعها للآمر حتى مضت السنة، قال أبو يوسف لا أجر عليه ولا على الآمر، وقال محمد يجب الأجر على الآمر ولم يتعرض لما إذا قبض الناظر الأجرة معجلة أو غيره، ثم مات فنقول إذا كان الوقف أهليا والغلة للقابض فآجر وقبض الأجرة معجلة، ثم مات قبل انتهاء المدة ففي الفتاوى وغيرها للذي انتقل له الحق أن يأخذ من المستأجر أجرة ما آل إليه بالموت فإن كان الميت ترك مالا رجع بذلك على ماله وإن لم يترك مالا لا يرجع المستأجر بشيء وضاع عليه وإن كان الناظر في وقف غير أهلي فمات بعد القبض قبل انتهاء المدة لا يضع ذلك عليه ويرجع على جهة الوقف وفي مال الميت المتروك. قال رحمه الله: (وتفسخ بخيار الشرط) يعني إذا شرط المؤجر أو المستأجر خيار الشرط أو شرط كل منهما خيار الشرط ثلاثة أيام فله أن يفسخ الإجارة به عندنا، وقال الإمام الشافعي لا يصح شرط الخيار في الإجارة؛ لأن المستأجر لا يمكنه رد المعقود عليه بكماله إن كان الخيار له وإن كان المشروط له الخيار المؤجر لا يمكنه التسليم أيضا على الكمال؛ لأن المنافع تحدث ساعة فساعة ولنا أنه عقد معاوضة ولا يجب قبضه في المجلس ويحتمل الفسخ بالإقالة فيجوز شرط الخيار فيه كالبيع؛ ولأن الخيار شرط في البيع للتروي فكذا في الإجارة؛ لأنها تقع بغتة من غير سابقة تأمل فيمكن أن يقع غير موافق فيحتاج إلى الإقالة فيجوز اشتراط الخيار فيها بخلاف النكاح؛ لأنه ليس بمعاوضة فلا يصح شرط الخيار فيه وبخلاف الصرف والسلم فلا يصح شرط الخيار فيهما؛ لأنه يمنع تمام القبض المستحق بالعقد، والعقد فيهما موجب للقبض في المجلس وفوات بعض المعقود عليه لا يمنع الرد بالعيب فكذا بخيار الشرط للضرورة بخلاف البيع؛ لأنه يمكن فسخ البيع في جميع المبيع فلا ضرورة ألا ترى أن المستأجر يجبر على القبض بعد مضي بعض المدة من غير شرط الخيار للضرورة وفي المبيع لا يجبر عليه بعد هلاك بعضه لعدم الضرورة، وقد تقدم في البيع أنه يشترط حضور الآخر في الفسخ، وقد تقدم الصحيح هناك. قال رحمه الله: (وبخيار الرؤية) أي وتفسخ بخيار الرؤية، وقال الإمام الشافعي لا يجوز استئجار ما لم يره للجهالة قلت الجهالة إنما تمنع الجواز إذا كانت مفضية للنزاع وهذه لا تفضي إليه؛ لأنه إن لم يوافق برده فلا يمنع الجواز فإذا رآه ثبت له خيار الفسخ؛ لأن العقد لا يتم إلا بالرضا ولا رضا بدون العلم، وقال عليه الصلاة والسلام: «من اشترى ما لم يره فله الخيار إذا رآه»؛ ولأن الإجارة شراء المنافع فتناولها الحديث. قال رحمه الله: (وتفسخ بالعذر وهو عجز أحد العاقدين عن المضي في موجبه إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق به كمن استأجر رجلا ليقلع ضرسه فسكن الوجع) يعني تفسخ الإجارة بالعذر الذي هو العجز عن المضي في موجب العقد إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق بالعقد أي بنفس العقد كمن استأجر إلخ، وقال الإمام الشافعي لا تفسخ بالأعذار إلا بالعيب؛ لأن المنافع عنده بمنزلة الأعيان كما تقدم، وقد فسر العذر في التجريد حيث قال: والعذر أن يحدث في العين ما يمنع الانتفاع به أو ينقض المنفعة وفسره في الهداية كما فسره المؤلف وفي المحيط وكل عذر يمنع المضي في موجبه شرعا كمن استأجر رجلا ليقلع ضرسه فسكن الوجع تنقض الإجارة من غير نقض؛ لأنه لا فائدة في بقائه فتنتقض ضرورة وكل عذر لا يمنع المضي في موجب العقد شرعا، ولكن لا يمكنه المضي إلا بضرر زائد يلزمه فإنه لا ينتقض إلا بالنقض وهل يكون قضاء القاضي والوصي شرطا في النقض ذكره في الزيادات وجعل قضاء القاضي شرطا قال شمس الأئمة السرخسي هو الأصح وذكر في المبسوط والجامع الصغير أنه ليس بشرط وينفرد العاقد بالنقض وهو الصحيح، وقد تقدم الكلام عليه وفي الخلاصة وإن انهدم منزل المؤجر وليس له منزل آخر وأراد أن يسكن البيت المؤجر ويفسخ الإجارة ليس له ذلك، ولو استأجر دكانا ليبيع فيه ويشتري فأراد أن يترك هذا العمل ويعمل غيره فهذا عذر ا هـ. وفي المحيط ذكر في فتاوى الأصل إن تهيأ له العمل الثاني على ذلك الدكان ليس له النقض وفيها لو استأجر ليبيع الطعام، ثم بدا له أن يأخذ في عمل آخر فهذا ليس بعذر في الأصل، وقال في الأصل إذا استأجر حانوتا ليبيع فيه الطعام، ثم بدا له أن يقعد في سوق الصيارف فهو عذر، وفي التجريد لو أجر نفسه في عمل أو صناعة، ثم بدا له أن يترك ذلك العمل فإن كان ذلك العمل ليس من عمله وهو مما يعاب به كان له أن يفسخ. ا هـ. ومن الأعذار الموجبة للفسخ شرعا لو استأجره ليقطع يده لأكلة فيها فبرئ منها وفي التتارخانية ولو استأجره للحجامة أو الفصد، ثم بدا له أن لا يفعل كان عذرا، ولو امتنع الأجير عن العمل في هذه الحالة يجبر عليه. قال رحمه الله: (أو ليطبخ له طعاما للوليمة فاختلعت منه) يعني يجوز له أن يفسخ العقد في هذه المسألة؛ لأنه لا يمكنه المضي إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق بالعقد ويلحق به ما لو استأجر ليطبخ له طعاما لقدوم الأمير أو الحاج فلم يقدم الأمير والحاج وفي التتارخانية استأجر رجلا ليخيط له أو ليقطع قميصا أو يبني بيتا، ثم بدا له أن لا يفعل كان عذرا. قال رحمه الله: (أو حانوتا ليتجر فيه فأفلس أو أجره ولزمه دين بعيان أو بيان أو بإقرار ولا مال له غيره) يعني لو استأجر حانوتا ليتجر فيه فأفلس كان عذرا في الفسخ ولم يذكر الشارح الذي يتحقق به الإفلاس وسنذكر ذلك وقوله حانوتا مثال، قال في الجامع الصغير استأجر الخياط غلاما ليخيط معه فأفلس الخياط أو مرض وقام من السوق فهو عذر يفسخ به وتأويل المسألة إذا كان يخيط لنفسه أما إذا كان يخيط بأجر فرأس مال الخياط الخيط والمخيط والمقراض فلا يتحقق الإفلاس فيه، وقال محمد في الخياط الذي يخيط لغيره بأجرة لا يتحقق إفلاسه إلا بأن تظهر خيانته للناس فيمتنعون عن تسليم الثياب إليه ا هـ. فظاهره أن الإفلاس في التاجر بأن يظهر ذلك فيه فيمتنع الناس من معاملته قوله أو أجره ولزمه دين بعيان إلخ يعني له أن يفسخ في هذه الحالة وإنما جمع بين هذه الأمور ليبين أنه لا فرق في ثبوت الدين بين العيان والبيان والإقرار فإنه يلزم الدين في الكل فيحبس عليه ويلازم عليه كما تقرر في كتاب الدعوى، قال الشارح ويحصل الفسخ بالرفع إلى القاضي والقضاء به، وقيل بيع أولا فيحصل الفسخ في ضمن البيع. قال رحمه الله: (أو استأجر دابة للسفر فبدا له منه رأي لا للمكاري) يعني لو استأجر دابة ليسافر عليها، ثم بدا له أن لا يسافر فهو عذر يفسخ به، ولو بدا للمكاري لا يعذر؛ لأن المستأجر يلزمه ضرورة ومشقة وربما يفوته ما قصد كالحج، وطلب الغريم والمكاري لا يلزمه ذلك الضرر؛ ولأنه يمكنه أن يقعد ويرسل غيره، وكذا لو مرض لما ذكرنا، وروى الكرخي أنه عذر في حق المكاري؛ لأنه لا يعرو عن ضرر؛ ولأن غيره لا يشفق على دوابه مثله وقوله دابة وبدا له منه مثال قال في الأصل استأجر عبدا ليخدمه في المصر ودارا يسكنها، ثم بدا له السفر فهو عذر له أن يفسخ به، ولو بدا لرب العبد أو الدار، فليس بعذر فلا يفسخ فإن قال المؤجر للقاضي إنه لا يريد السفر، وقال المستأجر أنا أريد السفر فالقاضي يقول للمستأجر مع من تسافر فإن قال مع فلان وفلان فالقاضي يسألهما هل يخرج معكم المستأجر وهل استعد للسفر فإن قالا نعم ثبت العذر وإن قالا لا فإن القاضي يحلف المستأجر بالله أنك عزمت على السفر وإليه مال الكرخي والقدوري فلو خرج من المصر، ثم عاد يحلف بالله قد خرجت قاصدا للسفر الذي ذكرت كذا في الخلاصة وغيرها وفي الخلاصة فإن لم يترك السفر، ولكن وجد أرخص منها فهذا ليس بعذر، ولو اشترى منزلا وأراد التحول فيها فهذا ليس بعذر، ولو اشترى إبلا فهو عذر. قال رحمه الله: (ولو أحرق حصائد أرض مستأجرة أو مستعارة فاحترق شيء في أرض غيره لم يضمنه) حصد الزرع جزه والحصائد جمع حصيدة وحصيد وهما الزرع المحصود والمراد هنا ما يبقى من أصل الزرع في الأرض ولا يخفى أن هذه المسألة حقها أن تذكر في الجنايات ولهذا ذكر في الهداية مسائل منثورة وإنما لم يضمن؛ لأن هذه الأشياء تسبب وشرط الضمان التعدي ولم يوجد فصار كما لو حفر بئرا في ملك نفسه فتلف به إنسان بخلاف ما إذا رمى سهما في ملكه فأصاب إنسانا حيث يضمن؛ لأنه مباشر فلا يشترط فيه التعدي؛ لأن المباشرة علة فلا يبطل حكمها بعذر والسبب ليس بعلة فلا بد من التعدي ليلتحق بالعلة وإحراق الحصائد في مثله مباح فلا يضاف التلف إليه قال شمس الأئمة السرخسي هذا إذا كانت الرياح غير مضطربة فلو كانت مضطربة يضمن؛ لأنه يعلم أنها لا تستقر فلا يعذر فيضمن وفي الخانية لو كانت الريح غير ساكنة يضمن استحسانا وذكر في النهاية معزيا إلى التمرتاشي لو وضع جمدة في الطريق فأحرقت شيئا ضمن؛ لأنه متعد بالوضع، ولو رفعته الريح إلى شيء فأحرقته لا يضمن؛ لأن الريح نسخت فعله. ولو أخرج الحداد الحديد من النار في مكانه فوضعه على ما يطرق عليه وضربه بالمطرقة وخرج شرار النار إلى طريق العامة وأحرق شيئا ضمن، ولو لم يضربه، ولكن أخرج الريح شيئا فأحرق شيئا لم يضمن، ولو سقى أرضه سقيا لا تحتمله الأرض فتعدى إلى أرض غيره ضمن؛ لأنه لم يكن منتفعا بما فعله، بل متعديا قال خواهر زاده وشمس الأئمة السرخسي إذا أوقدنا نارا عظيمة في أرضه بحيث لا تحتمله وتعدى إلى زرع غيره وأفسده يضمن لا محالة. ا هـ. وفي السفينة فرق أصحابنا بين المال والنار فقال إذا أوقد نارا عظيمة في أرض نفسه فتعدى فأحرق شيئا لا يضمن؛ لأن النار من شأنها الخمود بخلاف ما إذا ملأ أرضه ماء بحيث لا تحتمله فإنه يضمن؛ لأن الماء من شأنه السيلان وفي فتاوى أهل سمرقند أوقد في التنور نارا لا يحتمله فأحرق بيته وتعدى إلى بيت جاره فأحرقه ضمن، وفي فتاوى الفضلي رجل يمر في ملكه أو في ملك غيره بنار فوقعت شرارة من ناره على ثوب إنسان فأحرقته ضمن، وفي النوادر عن أبي يوسف أن من مر بالنار في موضع له المرور فهبت الريح فأوقعت شرارة في مال إنسان لا يضمن وإن مر بها في موضع ليس له حق المرور ينظر إن هبت بها الريح لا يضمن وإن وقعت منه شرارة ضمن وفي التتمة سألت والدي عن القصار يدق الثياب في حانوته وانهدم حائط جاره هل يضمن فقال يضمن؛ لأنه مباشر. قال رحمه الله: (ولو أقعد خياط أو صباغ في حانوته من يطرح عليه العمل بالنصف صح) وهذا استحسان والقياس أن لا يصح وحق هذه المسألة أن تذكر في كتاب الشركة، ووجه الاستحسان أن هذه شركة الصنائع وليست بإجارة؛ لأن تفسير شركة الصنائع أن يكون العمل عليهما وإن كان أحدهما متولي العمل بحذاقته والآخر متولي القبول لوجاهته، وإذا وجد ما له سبيل إلى الجواز وهو متعارف يوجب القول بصحته فيكون العمل واجبا عليهما والأجر بينهما على ما عرف في موضعه قال الشارح وقول صاحب الهداية هذه شركة الوجوه فيه نوع إشكال فإن شركة الوجوه أن يشتركا على أن يشتريا بوجوههما ويبيعا وليس في هذه الشركة بيع وشراء، وإنما هي شركة صنائع قال في الغياثية شركة التقبيل هي أن يشتركا على أن يتقبل الأعمال وهنا ليس كذلك، بل هما اشتركا في الحاصل من الأجر وليست شركة صنائع، وأجبت بأن الشركة في الخارج تقتضي الشركة في التقبيل فثبت فيه اقتضاء إذ ليس في كلامهما إلا تخصيص أحدهما بالتقبل والآخر بالعمل وتخصيص الشيء بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه فأثبتنا الشركة في التقبل اقتضاء ا هـ. وفي التتارخانية دفع الآخر بقرة بالعلف ليكون الخارج بينهما نصفين فالحادث كله لصاحب البقرة وعليه أجرة مثل المدفوع إليه وثمن العلف ومثله لو دفع الدجاجة إلى آخر بالنصف، ولو دفع بذر العليق إلى امرأة بالنصف فقامت عليه حتى أدركت فالعليق لصاحب البذر وعلى صاحب البذر قيمة العلف وأجرة مثلها وفي فتاوى أبي الليث دفع إلى امرأة دودا لتقوم عليها بنفقتها، على أن العليق بينهما نصفان فهو بمنزلة المضارب وكل العليق لصاحب الدود وعليه أجر المثل وثمن الأوراق، ولو غصب من آخر دود القز وبيض الدجاج فأمسكه حتى خرج العليق والفرخ قال شمس الأئمة الحلواني إن خرج بنفسه فهو لصاحبه، رجل له غريم في مصر آخر فقال لرجل اذهب إليه وطالبه بالدين، وإذا قبضت فلك عشرة ففعل فله أجر مثله ا هـ. ولقائل أن يقول هذه مكررة مع قوله فيما سبق وتقبل إن اشترك خياطان أو خياط وصباغ قلنا ذكر هناك شركة الصنائع قصدا و هنا بين ما إذا وقع العقد على شركة الصنائع ضمنا فبهذا الاعتبار لا تكرار. قال رحمه الله: (ولو استأجر جملا ليحمل عليه محملا وراكبين إلى مكة صح وله المحمل المعتاد) والقياس أن لا يجوز للجهالة وهو قول الإمام الشافعي، ووجه الاستحسان أن هذه الجهالة تزول بالصرف إلى المتعارف وله المتعارف من الحمل والزاد والغطاء وغير ذلك مما هو معلوم عند أهل العرف لا يقال هذه متكررة مع قوله وإن استأجر حمارا ولم يسم ما يحمل قلنا هناك لم يبين ما يحمل فكانت الجهالة فاحشة وهنا بين ما يحمل فكانت يسيرة؛ لأنه بين الحمل ولم يبين قدره قال رحمه الله: (ورؤيته أحب) يعني رؤية المكاري المحمل والراكب وما يتبعهما أحب؛ لأنه أبعد من الجهالة وأقرب للعلم لتحقق الرضا. قال رحمه الله: (ولمقدار زاد فأكل منه رد عوضه) يعني إذا استأجر رجلا ليحمل عليه مقدارا من الزاد فأكل منه في الطريق رد عوضه، وقال بعض الشافعية لا يرد؛ لأن عرف المسافرين أنهم يأكلون الزاد ولا يردون والمطلق يحمل على المتعارف بخلاف الماء حيث يكون له الرد؛ لأن العرف جرى برده ولنا أنه استحق عليه حمل مقدار معلوم في جميع الطريق فله أن يستوفيه فصار كالماء، والعرف مشترك فإن بعض المسافرين يردون فلا يلزمنا عرف البعض أو يحمل فعل من لا يرد على أنهم استغنوا فلا يلزم حجة ويرد بعضهم وهم المحتاجون إليه. قال رحمه الله: (وتصح الإجارة وفسخها) لأن الإجارة تنعقد ساعة فساعة، وهذا معنى الإضافة وفسخها يعتبر بها كما إذا أضاف الإجارة إلى رمضان وهو في شعبان، وكذا إذا أضاف الفسخ إلى شوال وهو في رمضان وفي القنية إذا قال أجرتك هذه الدار غدا يجوز، ولو قال إذا جاء غد قد أجرتك هذه الدار باطل؛ لأنه تعليق، وقال أبو بكر تجوز في اللفظين ولا خطر في هذا في الإجارة وبه يفتى، وعن ابن سماعة عن أبي يوسف أجرتك داري بكذا إذا هل كذا يجوز في الإجارة ولا يجوز في البيع. قال رحمه الله: (والمزارعة والمعاملة) يعني وتصح المزارعة أيضا بالإضافة إلى المستقبل كما إذا قال وهو في شعبان زارعتك أرضي من أول رمضان بكذا وتصح أيضا المعاملة وهي المساقاة بأن قال ساقيتك بستاني من أول رمضان وهو في شعبان بكذا؛ لأن المزارعة والمعاملة إجارة فتعتبر بالإجارة. قال رحمه الله: (والمضاربة والوكالة) لأنهما من باب الإطلاق وكل ذلك تجوز إضافته قال رحمه الله: (والكفالة) لأنها التزام للمال ابتداء فتجوز إضافتها وتعليقها بالشرط كالبذر لكن فيها تمليك المطالبة فلا يجوز تعليقها بالشرط المطلق، بل بالشرط المتعارف. قال رحمه الله: (والإيصاء والوصية) والإيصاء إقامة الشخص مقام نفسه والوصية هي التمليك وكلاهما مضاف إلى ما بعد الموت؛ لأنهما لا يكونان إلا مضافين إذ الإيصاء في الحال لا يتصور إلا إذا جعل مجازا عن الوكالة قال رحمه الله: (والقضاء والإمارة) يجوز تعليقهما بالشرط وإضافتهما إلى الزمان؛ لأنهما تولية وتفويض محض فجاز تعليقهما بالشرط والأصل في ذلك أنه عليه الصلاة والسلام: «أمر زيد بن حارثة، ثم قال إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة». قال رحمه الله: (والطلاق والعتق والوقف مضافا) لا يخفى أن قوله مضافا نصب على الحال وهو قيد للمذكورات كلها وتقدير الكلام ويصح كل واحد منها حال كونه مضافا إلى الزمان المستقبل قال رحمه الله: (لا البيع وإجازته وفسخه والقسمة والشركة والهبة والنكاح والرجعة والصلح عن مال وإبراء الدين) يعني هذه الأشياء لا يجوز إضافتها إلى الزمان المستقبل؛ لأنها تمليك، وقد أمكن تنجيزها للحال فلا حاجة إلى الإضافة، وقد تقدم والله تعالى أعلم.
|